الرئيس المشاغب

لعل أكثر ما يقض مضاجع السياسة الاميركية وصناع قرارها ولوبياتها اليوم هو ليس أبو عبد البغدادي ولا أبو علي  أون، بل هذا الرئيس المشاغب الذي تربع على عرش البيت الابيض على حين غرة وتحت انظار واندهاش الجميع. فها هو دونالد ترامب رجل الأعمال الفاحش الثراء، المتباهي والغير متحفظ، يدخل الى عالم السياسة الأميركية المعقّدة والمتشابكة، لدرجة انك لا تفهم حابلها من نابلها و لا كوعها من بوعها.

وبالرغم من تعقيدات هذه الحلبة التي تظهر وكأنها بحاجة الى عالِم ذرة لفَهمها، فإنه على ما يبدو حتى الآن، أن دونالد ترامب تمكن من دخولها من الباب الواسع، ليس فقط كرئيس لأقوى دولة في العالم (على ذمة الراوي)، وإنما كراع بقر خارج من سرداب الغرب الأميركي القديم، يكر ويفر، يقبل ويدبر، يروح ويجيء في شارع القرية الوحيد، ومن على حصانه يخيف هذا ويهدد ذاك، يطيح بهذا ويضرب ذاك، يسخر من هذا ويشمت بذاك، وهكذا حتى مغيب الشمس.

ومن هذه المشهدية الاستعراضية يتبادر الى اذهاننا ليس فقط أفلام كلينت ايستوود، بل نستذكر أيضاً تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وسياستها العالمية، والتي تعشق من خلالها أن تلعب دور منقذ الشعوب الفقيرة والمقهورة، حاملةً شارة الشرطي الذي يقول للمواطنين كيف يأكلون وكيف يشربون، من أين يأتون والى أين يذهبون. وفي هذه المشهدية نرى الرئيس ترامب يلعب الدور ذاته، لكن هذه المرة على طريقته الخاصة، يسرح في سهول الأباتشي وأزقة الوادي الكبير، وبأسلوبٍ مختلف عن معظم – إن لم يكن كل رؤساء العصر الحديث – الذين سبقوه الى تبوء العرش بمن فيهم جورج بوش الابن.

فإذا راجعنا شريط الأحداث منذ انتخاب ترامب، نجد الكثير من المشاغبات الغير تقليدية بحدها الأدنى والتي لم نرى مثيلاً لها في العقود الماضية من السياسة الاميركية. وهذا ما يقلق هذه السياسة لأنها تعتمد بشكل أساسي على ثقافة مفادها أن الحكم استمرارية، وأن الرئيس يحكم ولكن دائماً ببركة الكونغرس وكبار الموظفين واللوبيات، وبشكل يتناسب مع التوجهات العالمية للمصالح الأميركية. ولكن من الظاهر أن هذه المعادلة التي كانت تتهادى بكل سلاسة الى درجة كبيرة قبل مجيء ترامب، لم تعد تعمل بشكل فعال بعد تبوئه منصب الرئيس، فمن استقالات بالجملة لموظفي البيت الأبيض الرئيسيين، الى التصاريح المتضاربة والمتناقضة للرئيس والتي تطلبت في الكثير من المرات تدخل أحد الناطقين لتوضيح الموقف أو للتخفيف من التخبط، الى فلتات الشوط التي يأتي بها ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كانت آخرها تلميحه من خلال تويتر الى ان الاسكوتلانديارد كانت على علم بحادثة القنبلة اليدوية الصنع التي انفجرت في مترو الانفاق في لندن، وغيرها من المواقف التي لولا أننا نتكلم عن رئيس دولة لكُنّا اعتقدنا انها ضرب من ضروب الكوميديا التراجيدية. فكلامه عن الاسلام، وبناءه لجدار المكسيك، وتقاعسه عن التعليق على الاحداث العنصرية التي حصلت في شارلوتسفيل في آب الفائت،  ومحاولته إلغاء أوباما كير، وتراجعه عن الاتفاق النووي مع إيران، وتناقد آرائه حول الحرب في سوريا وحول أزمة الدول الخليجية مع قطر، وغيرها من المواقف، كلها تشير الى حد كبير، لغياب الرؤية الموحدة للسياسة الاميركية في الداخل والخارج، وهو أمر لم نعتد عليه قبل مجيء الرئيس الجديد.

وفي هذا الاطار، ينعكس سلوك ترامب سلباً على موقع الولايات المتحدة نسبة للأحداث العالمية الحاضرة، وخاصة مع عودة القيصر الروسي الى الحلبة بقوة لا يستهان بها. وبالأكثر  فإن هذا السلوك يؤدي الى تغذية حالة الضياع التى أحدثها الرئيس داخلياً، حيث فقد جزءاً كبيراً من داعميه بحسب الاحصاءات الأخيرة، فضلاً عن العلاقة الفاترة والمتوترة في بعض الأحيان بينه وبين اللاعبين الآخرين في الداخل الأميركي وبالأخص لوبيات السلاح والمال والإعلام، و طبعاً بالإضافة الى علاقته الغير مستقرة حتى مع عدونا اللدود الاسرائيلي.

 ويبدو حتى الآن أنه لم يستطع أحد أن يكبح لجام زلات الرئيس المشاغب وردات فعله، التي يستخدم فيها التعابير الشائعة و الكلمات العامية وربما شبه النابية في بعض الأحيان، والبعيدة كلياً عن الحرفية اللغوية والمصطلحات الديبلوماسية التي عودنا عليها الرؤساء الذين سبقوه. وبالرغم من تعيين الجنرال جون كيلي مؤخراً كرئيس الموظفين في البيت الأبيض، والذي يعمل الآن جاهداً على ترتيب أمور القصر، وبالأخص السيطرة التامة على جدول مواعيد الرئيس، فيبدو أنه لم يتمكن هذا الرجل العسكري حتى الآن من قطع العلاقة بين الرئيس ترامب ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي من خلالها ما زال ترامب يشاغب ويستعرض قدراته التواصلية المأخوذة من عالم الاعمال المتعالي الذي لم يتمكن من الخروج منه حتى الآن.

أميركا أرادت التغيير وقد حصلت عليه. ويبدو أننا امام عصر جديد من زمن حكم أرباب المال والأعمال الذي آخر ما رأينا منه سابقاً هو جورج بوش الإبن، الذي قام بتنفيذ خطة تطوير أعمال رُسمت له ولم يرسمها. ولكن الفرق اليوم هو أن الرئيس ترامب ليس سياسياً بالفطرة ولا بالمهنة، وإنما هو رجل أعمال عالمي يحمل الفكر البراغماتي الأميركي بامتياز، و هو متمرس بهذا العمل. ولكن الأهم من هذا كله هو أن هذه الخبرة – أو قلة الخبرة السياسية – وضعته بموقع المشاغب حكماً وخاصةً أن شخصيته تساعده على هذا الامر. وفي إطار هذا التوصيف الفسيح تأتي وسائل التواصل الاجتماعي لتكون عاملاً أساسياً في إكسابه لقب “الرئيس المشاغب” بامتياز واستحقاق لم يسبقه اليه أحد من الرؤساء الأميركيين. والآن ما علينا إلا أن ننتظر ونرى الى أين نحن ذاهبون.

هكذا يبدأ التغيير

لا يخفى على أحد من اختصاصيي التغيير المثل القائل: “إذا استمريت بفعل ما تفعله، ستستمر بالحصول على ما تحصل عليه”. وهذا القول هو الخانة الاولى التي ينطلق منها فكر التغيير ويعتمد عليها في بناء الوعي اللازم لإحداث هذا التغيير. وفي الإطار ذاته، يوحي هذا المثل أيضاً بأن حصول التغيير يتطلب القيام بأمر مختلف عن ما نقوم به كل يوم، وذلك لكسر الدارة المغلقة التي نقع فيها نتيجة التكرار. فالإنسان بالمطلق معادٍ للتغيير، إما لخوفه من المجهول الذي يأتي به، وإما لأنه يشعر بالراحة حيث هو ولا يرى أي دافع للتغيير. هذا من ناحية أولى، أما من ناحية ثانية، فإن القيام بأمر مختلف يؤدي الى تغيير كبير في المعادلة نتيجةً للمتغيرات التي تدخل الى مكوناتها والتي تكون كفيلةً بإطلاق سلسلة التغيير Chain Reaction. فالمتغيرات التي تدخل الى المعادلة من شأنها أن تكسر الدارة المغلقة، أو على الأقل أن تغير نمط عملها، بحيث يصبح لدينا معطيات جديدة يمكن من خلالها البدء بعملية التحول وبالتالي إحداث التغيير.

يشبه هذا الأمر كثيراً علم الكيمياء الذي يعتمد على مجموعة من العناصر وعلى بيئة محددة لحصول التفاعل الكيميائي، وإذا أردنا أن نحصل على معادلة جديدة يجب علينا أن نغير أو نعدل العناصر و/أو البيئة. وعليه نكون قد أطلقنا سلسلة تفاعلية جديدة تعتبر بحد ذاتها حاضنة للتغيير.

المملكة العربية السعودية قامت للتو بكسر هذه الدارة المغلقة من خلال السماح للمرأة بقيادة السيارة، وبالتالي فإنها أطلقت سلسلة تفاعل كيميائي ستكون محوراً للتغيير. وبالرغم من أن التغيير يبعث على التوتر وربما الخوف من النتائج، خاصة أنه يُنتِج متغيرات جديدة لم يتم التعامل معها من قبل، وإنما كما يعلم كل خبراء التغيير، عندما يصبح الأمر الواقع خَطَراً وجودياً، لا بد أن نلجأ الى التغيير لتفادي الإندحار. تماماً كما يقول صديقنا الكاتب سبنسر جونسون في كتابه “من حرك الجبنة خاصتي”، “يجب عليك أن تتحرك مع الجبنة وإلا فإنك ستخرج يوماً الى ذات المكان الذي تأتيه كل يوم ولن تجدها” وهناك الطامة الكبرى.

التغيير في المملكة قد بدأ، وربما الكثير من الناس كانوا ينتظرون هذا الأمر، لأنهم يرون بعض من المبالغة في قلة التغيير، وربما يكون جزءاً من هذا التفكير صحيحاً الى حد ما. ولكن مهما كان الأمر، فإنه واجب على كافة راصدي التغيير وطالبيه من المثقفين، والمتعمقين، والعقلانيين، ليس فقط في المملكة وإنما في أنحاء كثيرة من العالم،  أن يكونوا موضوعيين، صادقين، وإيجابيين في مطلبهم. ففي زمن التغيير هناك الكثير من السطحيين الذين لا يرون في التغيير الا انتصاراً على التقليدية، وهو غالباً ما يكون انتصاراً فارغاً. وهناك أيضاً طالبي التغيير لغايةٍ في نفس يعقوب. وهناك دائماً المصطادين في الماء العكر، وكذلك الشامتون، والمطبلون والمزمرون.

وبغض النظر عن هذه الحفنة من الاشخاص، يجب علينا أن نكون متريثين جداً في قراء التغيير وخاصة ذلك الذي حصل الآن في السعودية. فلهذا التغيير دلالات خاصة جداً وذلك لثلاثة أسباب:

أولاً، صدر قانون السماح للمرأة بقيادة السيارة مباشرة بأمر ملكي، وهذه النقطة لديها رمزية خاصة جداً يُفهم من خلالها أن انطلاق التغيير بدأ بأمر من رأس الهرم ولم يكن نتيجة لمظاهرات صاخبة وأعمال شغب. وحتى لو أن هذا القرار أتى الآن بسبب استشعار الضغوط المطالبة بقليل من التحرر، فإنه يستحق بلا شك الثناء لصفته الاستباقية. فإذن، إذا أتى التغيير مباشرة من الملك ذاته، فإنه الاشارة المنتظرة لإطلاق عملية التغيير الشامل وخاصة أنه يطال فئة رئيسية من المجتمع السعودي والتي لم يكن يحسب لها حساب سابقاً.

ثانياً، أتى التغيير في المملكة حول أحد أكثر المواضيع حساسية في المجتمع ألا وهو موضوع المرأة. ومن هنا نستشف رمزية كبرى أولاها الملك للمرأة عندما جعلها محور إنطلاقة التغيير في المملكة. فالمرأة هي قوة التغيير الكبرى في أي مجتمع، فهي الأم والمربية والمدرسة الأولى والركن الثاني الذي يرتكز عليه أي بيت وأية عائلة بعد الأب، ومن البيت والعائلة ينطلق التغيير. بالإضافة، فإن الرمزية الكبرى لهذا الأمر هي أنه يرسل رسالة ولو غير مباشرة بأن المجال قد فتح في ما يتعلق بإمكانية النقاش بأمور ومواضيع كان من المحظور التكلم بها من قبل وخاصة تلك المتعلقة بالحرية المدنية والاجتماعية للمرأة.

ثالثاً، دخل التغيير من باب وسيلة النقل التقليدية والأكثر انتشاراً ألا وهي السيارة. ولهذا الأمر أيضاً معانٍ لا يمكن تجاهلها. فالسيارة بهدفها الأساسي تستعمل للانتقال من مكانٍ الى آخر، وحين تسمح للمرأة بالقيادة في بلدٍ كانت فيه حركة المرأة مقيدة إما بالسائق الخاص أو بسيارة الأجرة، ودائماً تحت أنظار الولي أو الشرطة، وخاصةً تلك الدينية، فإنك بذلك تفتح المجال أمام متغيرات كثيرة للدخول في صلب المعادلة، تماماً كما ذكرنا سابقاً. فالمرأة خلف المقود تعني إمكانية خروجها وحيدة دون مرافقة، كما وتعني أنها ستقود على ذات الطرق التي يقود عليها الرجال، وستحصل حوادث السير بين المرأة والرجل وبين المرأة والمرأة، وستخالف المرأة قوانين السير وتحصل على مخالفة، وستتوقف المرأة على محطة الوقود، وتتعطل سيارتها، وغيرها من المواقف التي ستوضع فيها المرأة لأول مرة في تاريخ المملكة، ومن دون شك الرجال أيضاً.

كل هذه الأمور تطرح أسئلة عديدة حول مدى استعداد المملكة دينياً، واجتماعياً، وإقتصادياً لهذا التغيير، وحتى تطرح موضوع استعداد أجهزة الدولة للتعامل مع هذا التغيير. الاجابة ممكن أن تختلف بين المؤيد والمعارض والمتوجس. ولكن كل هذه لا تعدو كونها أسئلة وأفكار، والأكيد أن هذه الأفكار تقف الآن وجهاً لوجه مع واقع أصبح حقيقة وتغيير غادر حيِّز الخيال.

بشجاعة كبيرة قفزت المملكة قفزة إيمان نحو التغيير، ونسميها هكذا لأنه لا يوجد حسابات مع التغيير. فالمتغيرات كثيرة، والطموح كبير، وعندما يغادر القطار المحطة قلما يعود الى الوراء، ومن هناك تبدأ رحلة تتغير فيها المشاهد على مدار الساعة حتى لا نقول على مدار الدقائق. لا يجب على أحد أن يفرح ويهلل ولا أن يقمط ويعبس، لأنه وبكل موضوعية، وكما في كل حالة تغيير، سيأتي هذا التغيير بحسنات كما سيأتي بسيئات ولا يمكن الحكم عليه من الوهلة الأولى. فالتغيير مثل عمل الأمواج في صخور البحر، بطيء ولا يمكن رؤية تأثيره الا بعد زمن، وهذا ما يجب أن نتوقعه في المملكة أيضاً.

هل تتغير المملكة؟ لربما لم يعد هناك من خيار، خاصة مع عالم رقمي معولم لم تعد للمسافة فيه من قيمة، ولا للقواعد من أسس، ولا للروادع من هيبة، فأصبح كل شيءٍ وارداً. والمهم في كل ما نقوله هو أن باب التغيير قد فتح، وقطاره قد غادر المحطة، وكما أرى من خلال خبرتي في التغيير، فإن التغيير الذي يأتي من رأس الهرم هو التغيير الأصح، وهو ما أسميه “التغيير التطوري”، أما النوع الآخر من التغيير، وهو ما لا أحبذه، فهو التغيير الذي يحصل من قاعدة الهرم، وهو ما أسميه “التغيير الثوري” الذي لا يجب أن يصل اليه القائد الحكيم، والله ولي التوفيق.

بين الانسان والإنسانية

يتبادر الى ذهني في هذه الايام أسئلة كثيرة حول السلوك البشري وكيف يمكن تحليله وفهمه. فمن أين يأتي السلوك؟ وهل هو مكتسب أم أن الطبيعة تحمله في تركيبتنا الجينية؟ وهل هناك من ضمير متصل بين كل البشر يمكن من خلاله أن نفهم التصرفات البشرية العامة أو المتعارف عليها؟ وهل إذا فعلنا هذا الأمر، يمكن أن نقع في التعميم؟ إذا كانت فكرة وجود هذا الضمير المتصل صحيحة، فهل هذا ما يبرر المزاج العنيف للبشرية الذي يتخبط فيه عالم اليوم؟ وهل هذا يفسر لنا الانحطاط الاخلاقي الجامع من أقصى الأرض الى أقصاها؟ وهل يمكن لهذا الضمير المتصل أن يكون وباءً نفسياً وفكرياً حل بالبشرية نتيجة للاتساخ القيمي الذي أدخل الى عقول وقلوب الناس من خلال قنوات لا حصر ولا عد لها؟ 

أسئلة عديدة ربما تكون أكثر من وجودية، والاجابة عليها لا بد أنها معقدة. لكن ما يثيرني في هذا الأمر هو سؤال واحد، لربما هو الأهم بين أسئلة اليوم. وإذا أردنا أن نغالي، فلعله من أهم الأسئلة الوجودية في تاريخ الجنس البشري. هذا السؤال هو: هل “الإنسانية” هي حق مكتسب؟ 

ناقشت نفسي حتى الكلل وجادلتها كثيراً في هذا السؤال المقلق، كوني كنت خائفاً أن أقع في محظور التفسير وأن تأول حالي الى نتائج لا تحمد عقباها. ولكن بعد الكثير من الصولات والجولات، والملاحظة والتأمل، والتعمق والتبصر، وجدت نفسي في موقع المتأكد أن الانسانية ليست حق مكستب، وأن هناك فرق شاسع بين “الإنسان” و”إنسانيته”. 

ولدحض أي لغط في التفسير القائم، ما أعنيه بـ “إنسانية الإنسان” في هذا الإطار، لا يقتصر فقط على التفسير المتعارف عليه حول “الإنسانية” كصفة فعل، مثل القول: “هذا الرجل إنساني”، أو “هذه جمعية تختص بالعمل الإنساني”، أو “قام الأطفال بعمل إنساني”. ما أعنيه بكلمة “إنسانية” هي صفة  كينونة الإنسان بكليته، أي استحقاق الإنسان لصفته الإنسانية من بابها الواسع، وهذا التعريف أشمل بكثير من التفسير العام لكلمة “الإنسانية”. فإنسانية الإنسان لا تعني فقط أن يكون الفرد لطيفاً، فاعلاً للخير، يشعر مع الآخرين  ويساعدهم، بل هي كل الصفات التي تجعل من الإنسان “إنساناً” على صورة الله، تماماً مثلما أراده الله سبحانه وتعالى في الشكل والمضمون. “الإنسانية” كصفة شاملة تعني أن يتخطى الإنسان ما يفهمه أكثرية البشر بكلمة “إنساني”، الى البعد الحقيقي لهذه الكلمة.

فالإنسانية الحقيقية هي أن يكون الإنسان مدركاً، مفكراً، شاعراً، رحوماً، صادقاً، قنوعاً، غافراً، محباً للسلام، متواضعاً، ملتزماً، يتمتع بالمرؤة والشهامة، مترفعاً عن فعل الشر، غير مبرراً للخطأ، رافعاً للظلم، معيناً للضعيف، مساعداً للمحتاج، مجتهداً في العمل، خادماً للإيجابية، بعيداً عن النميمة والكلام الفارغ، محترماً لوقته ووقت الآخرين، غيوراً وليس حسوداً، غير مبذراً، كريم النفس واليد، شكوراً، مؤمناً لا مفسداً، أميناً، ساعياً للخير العام، جاهداً في أن يرضي الله، إله الخير والمحبة، وفوق هذا كله، والأهم، هو أن الإنسانية الحقيقية التي تحمل كل هذه الصفات (وهذا غيض من فيض) لا يمكن أن تترجم من منظار الفهم الشخصي لها، وإنما فقط من منظار نتيجتها الخيرة للنفس وللآخرين في ذات الوقت. كما ويبقى إضافةً أن إنسانية الإنسان بمعناها الحقيقي، لا توظف هذه الصفات لغاياتها الخاصة، فيلبسها الإنسان ويخلعها بحسب ما تقتضي الغاية. بالنتيجة، ما أحرص على قوله هنا، هو أن الإنسان يجب أن يلبس إنسانيته لبوساً، ما يجعلها – أي هذه الإنسانية – “أمراً مكتسباً” يجهد الإنسان ويجتهد في تحصيله، لا “حقاً مكتسباً” يصرفه الإنسان عند الولادة. 

شتان بين الإنسان وإنسانيته. فالإنسان يولد إنساناً ولكنه يكتسب إنسانيته، وهذه الإنسانية هي حالة كاملة وشاملة، وليست مجموعة من الصفات العامة المتفرقة. فكما أن ليست كل زهرة جميلة لديها رائحة جميلة حكماً، وليس كل أستاذ مدرسة هو معلم، وليس كل مدير هو قائد، وليس كل أب هو صارم، كذلك فإنه ليس كل إنسان يتمتع حكماً بالإنسانية بحد ذاته، وهذا هو مصدر استنتاجي للفرق بين الانسان وإنسانيته. فإننا بطبيعة الحال نرى الزهرة بشكل شامل ولا نميز بين شكلها من جهة ورائحتها من جهة أخرى. فبالنسبة إلينا، “الزهرة” فكرة كاملة  مؤلفة من شكل جميل، ولون جميل، ورائحة جميلة. والأمر ذاته بالنسبة للمعلم، والمدير، والأب. لكن ليس هذا هو الواقع في جميع الحالات، صحيح؟ إذن كذلك هو الأمر بالنسبة للإنسان، إذ لا يجب أن نتوقع بأن كل إنسان هو حامل حكماً للإنسانية بمعناها الشامل

ماذا إذن؟ فلننظر الى الإنسان في زمننا هذا، وربما على مر الأزمنة الغابرة. هل يمكن أن نطلق على كل إنسان صفة “إنسان”؟ إذا أردنا أن نلتزم بالتفسير اللغوي البحت للكلمة، لربما يمكننا أن نجيب ب”نعم”. ولكن إذا اقتنعنا بأنه هناك فرق بين الانسان وإنسانيته، فإن الجواب أصبح واضحاً. كل الحروب، والمآسي، والأوبئة، والبؤس، والقتل، والدمار الذي نراه اليوم في العالم، والذي رآه أجدادنا، والذي سيراه أولادنا يؤكد أن السواد الأعظم من البشر لديهم طبيعة “إنسان” وليس صفته الشاملة، وأن فقط حفنة صغيرة منهم استحقت إنسانيتها. فتاريخ البشرية لا يعدو كونه سلسلة شبه متواصلة من الحروب، والقتل، وحب السيطرة، والظلم، مع شبه فسحات من السلام. فكيف يمكن لهذا الواقع أن يكون لو كان كل إنسان يتمتع بصفات الإنسانية الشاملة التي عرضنا لبعض منها أعلاه؟ إذا فلنتوقف عن ظلم الإنسانية ولنتقبل عدم اقترانها بالانسان حكماً لأن التاريخ يشهد على عكس ذلك. أمر مؤلم، ولعله يبرر إرسال الله عز وجل كل هؤلاء الرسل والأنبياء، ولكنه لا يبرر كيف يمكن لكائن لديه التكوين، ولديه الإدراك، ولديه القدرة ليكون “إنساناً”، أن يختار بأن لا يكون.

الأنظمة المتوازية شر لا بدّ منه أم وسيلة إبتكار؟

عندما تعتل الأنظمة يعتل معها العديد من الثوابت التي عادة ما تعتبر من البديهيات. فحين يكون النظام صحيحا” تكون كافة آلياته صحيحة وتعمل بدقة، أو على الأقل تعمل بالحد الأنسب من الفعالية، خاصة إذا أخذنا المتغيرات التي تؤثر على هذا النظام بعين الإعتبار. وبغض النظر عن سبب هذا الإعتلال، فإن النتائج التي تصدر عنه عادة ما تحدث تشرذما” وخللا” في المخرجات التي يتوخاها المستفيدون من هذا النظام. وإذا أردنا ان نكون أمينين للحس الإيجابي، فإنّ هذا الخلل يساهم في خلق بيئة حاضنة للإبتكار ويمكن من النظر للأمور من زاوية مختلفة بهدف التحسين.

وإن كانت هذه أو تلك، فإن أهم ما في الأمر هو ظاهرة مثيرة وطبيعية تحدث كشبه نتيجة لإعتلال الأنظمة ألا وهي الأنظمة البديلة أو المتوازية التي تظهر بسرعة البرق لتحل، ولو  لفترة قصيرة، مكان الأنظمة المعتلة، فتقوم مقامها وتنفذ مهامها بشكل يتراوح من حد أدنى بسيط وربما غير فعّال وحتى مستوى رفيع من الجودة تتخطى في الكثير من الأحيان جودة المخرجات التي كان يقدمها النظام العليل.

وتزدهر الأنظمة المتوازية بالأكثر حين يكون النظام المعتل من الأنظمة التي توفّر بوجودها مخرجات وحلول لعدد كبير من الجماهير. مثلا” نظام توريد الكهرباء المتوازي في لبنان والذي حل محل نظام توريد الكهرباء الذي تؤمنه الدولة بنسبة تتجاوز ال ٩٠٪ في هذا الاطار. ولكن الأنظمة المتوازية لا تزدهر فقط في هذه الحالات وانما تتخطاها لتصل الى الانظمة الحكومية البديلة، كحكومة الظل، والأنظمة الإجتماعية البديلة كالتعاونيات وصناديق التعاضد، والأنظمة الإقتصادية البديلة كالإقتصاد المتوازي الذي توجده الدول والهيئات المانحة، وغيرها من الأمثلة.

يتبادر لنا إذا ما توكدنا في هذه النظرية التطبيقية ثلاثة أسئلة رئيسية:
اولا”، من المسؤول عن إطلاق الأنظمة المتوازية؟
ثانيا”، كيف تأخذ الأنظمة المتوازية شكلها؟
ثالثا”، هل من الأفضل محاولة معالجة النظام العليل أم أنّه من الأنسب البناء على مقومات النظام المتوازي وإستبداله بذلك العليل؟

تظهر التجربة أجوبة مختلفة على كل من الأسئلة أعلاه. فمسؤولية إطلاق الأنظمة المتوازية تتراوح بين المبادرة الخاصة العلنية وربما الرسمية، وبين المبادرات المموهة والمصممة في صناديق سوداء يصعب فتحها. فيمكن في هذه الحال مثلاً إعتبار حالة الكهرباء في لبنان من النوع الأول، اما عصابات التهريب في زمن الحروب فهي من النوع الثاني. وهنا أيضا”، إذا اردنا أن نتبنى المقاربة الإيجابية، يمكننا القول أن المسؤولين عن إطلاق الأنظمة المتوازية هم من المبدعين والمبتكرين في فلسفة “الحاجة” التي هي أم الإختراع. فغياب الكهرباء يحتّم البحث عن بديل، وغياب دور الدولة يحتّم قيام أنظمة بديلة لييسر الانسان شؤونه ويوفر حاجاته، كما أن غياب أي حاجة ضرورية أخرى يفرض السعي للحصول عليها بالطرق المتوفرة.

أما كيف تأخذ الانظمة المتوازية شكلها، فإنّ هذا الامر مرتبط بثلاث عوامل أساسية.
أولا”، أهمية الحاجات التي كان يؤمنها النظام العليل بالنسبة لمستخدمي مخرجات هذا النظام. فكلما كانت هذه الحاجات مهمة، كلما كان النظام البديل بحاجة الى أن يكون منظماً ومدار بطريقة فعالة ومربحة. فالشكل مرتبط بالأهمية، أما اذا كانت خدمات النظام العليل غير هامة فإن مستخدمي هذا النظام عادة ما يلجؤون الى أساليب بسيطة، كل على طريقته، لتأمين ما يحتاجون اليه في هذا الإطار.

ثانيا”، المدة التي سيبقى فيها النظام المتوازي قائما”. فكلما طال عمر النظام المتوازي، كلما صعب الخروج منه خاصة أن ما يتغير مع الوقت هو ذهنية الإنسان الذي يتعلق بالنظام البديل من الناحية الفكرية والعاطفية ويصبح من الصعب عليه العودة الى النظام السابق. بالإضافة، فإنه كلما طال عمر النظام المتوازي كلما تحول الى أمر واقع يصعب تبديله، وعندها يتم اللجوء الى حلول التراضي التي تكسب النظام البديل الصفة الرسمية وعليه يصبح نظاماً بديلاً بشكل رسمي. مثالاً على ذلك موضوع الأملاك البحرية في لبنان، أيضاً.

وثالثا”، قوة التجاذب بين النظام العليل والنظام البديل ولمن تكون الغلبة. فكلما زادت الحاجة للنظام البديل، وكلما طال بقائه، اكتسب قوة جذب كبيرة لدوره في توفير الحاجات التي لم يعد النظام العليل قادر على توفيرها وبالتالي فإن شكله يصبح منصة خلاص لا غنى عنها ويكتسب كامل القوة الناتجة عن أمر واقع. أما إذا أثبت النظام البديل عدم قدرته على توفير المخرجات المطلوبة للمستخدمين فإن من المرجح أنه سيفقد قوة الجذب خاصته – أو على الأقل جزءاً كبيراً منها – لصالح النظام العليل بالرغم من علته، وهنا تنطبق مقولة اللبنانيين “الكحل أحلى من العمى”.

من هنا وبناء” على الجملة الأخيرة أعلاه، نتطرق للسؤال الثالث حول ما الأفضل، محاولة تصحيح النظام العليل، أم تطوير النظام البديل ليأخذ مكانه. وهنا أيضا” تظهر التجربة تباينا” في وجهات النظر بين الأول والأخير. ففي أكثر الحالات يميل الانسان الى النظام القديم العليل، وربما بدافع النوستالجيا لا أكثر ولا أقل. فالطبيعة البشرية عادة” ما تغربل التجربة ويختار اللاوعي فينا الذكرى الجميلة من النظام العليل بالرغم من كل سيئاته، وهذا اللاوعي ذاته يختار عدم تذكر الخبرات السيئة بالرغم من وجودها وربما بكثرة. فمثلاً يمكن نسمع عدد لا بأس به من اللبنانيين يترحم على أيام الحرب الأهلية قائلين: “كانت أيام خير وبحبوحة مالية أكثر من اليوم بالرغم من الحرب الدائرة”. وهذا أمر غريب عجيب إذا نظرنا اليه بشكل سطحي، أما في عمقه فهو تعبير على أن النظام البديل لم يوفر لهذه المجموعة من الناس ما كان النظام العليل يوفره في الماضي بالرغم من كل سيئاته.

من ناحية أخرى، نرى أمثلة كثيرة على توجه المجتمعات والاقتصادات إلى تبني الأنظمة البديلة كوسيلة رسمية للتخلص من نظام عليل فقد فيه الأمل والرجاء. وأكثر الأمثلة صدوحاً في هذا المجال نظرية خصخصة القطاع العام، ونظريات تحرير الإقتصاد والسوق. فما الخصخصة في صلبها إلا نظام بديل تسعى اليه الجهات المسوقة له كحل للتخلص من عدم فعالية الإدارة في القطاع العام، وضعف المعايرة، والبيروقراطية المكلفة، وثغرات الفساد، وغيرها من الآفات التي يعاني منها القطاع العام عالميا”. وإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن الخصخصة وتحرير الإقتصاد يظهران كحل فعّال ومنطقي لعدم نجاعة القطاع العام، ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه مناصري النظام القديم العليل: من يضمن لنا أن الخصخصة – بالرغم من حسناتها – لن تسيطر على مقومات الدولة وتمعن في إضعافها أكثر للتمكن من كل مفاصلها، حيث يصبح الوطن شركة تجارية رأسمالية كبيرة بدل أن يكون شراكة عقد اجتماعي – هذه الشراكة هي الدولة – بين كافة مواطنيه؟

ويبقى، ما يقبله العقل تختلف عليه القلوب، والعكس بالعكس. فإذا اعتل النظام، ما هي الأسباب؟ وإذا ولد نظام بديل، ما هي الأسباب؟ ربما تكون الاجابة واحدة على السؤالين وهي: اسألوا الطبيعة البشرية.

الأنظمة البديلة، شر أم ابتكار؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في سبب نشوء هذه الأنظمة في البدء. فإذا كان النظام البديل ناتجاً عن إعتلال النظام الأساسي وهو يوفر حلا” فعالا”، عادلا”، تنافسيا”، تحت سقف القانون ومعه، فربما يمكننا إعتباره إبتكارا” واستجابة لحاجة لم يعد النظام الحالي العليل قادر على تقديمها. أما إذا كان النظام البديل ناتجا” عن إعتلال النظام الأساسي وهو يوفر حلا” ربما فعالا” ولكنه غير عادل ولا تنافسي وهو خارج إطار القانون فإنه من دون شك يحمل الشر في طياته. وتبقى أسوأ الشرور عندما يتحمل المستخدمون كلفة نظامين دون القدرة على الإعتراض. حيث يحمل النظام البديل نية المبادرة إلى تدمير نظام صحيح أو نظام بدأ يعتل، ويمعن في هذا التدمير دون حساب أو رقابة بهدف البقاء حيا” وبين نظام عليل يأبى ألا أن يبقى حيا” ولو أنه لم يعد يقدم أكثر من حفنة من المخرجات التي وجد من أجل توفيرها في الأصل. وهنا أيضا” يتبادر الى الأذهان نظامي الكهرباء العليل والمتوازي في لبنان، حيث يتحمل المواطن فاتورة نظام عليل ومهترئ من ناحية، وفاتورة نظام بديل – ربما فعال – يهيمن على السوق ويستخدم الهيكل العظمي للنظام العليل لنقل الكهرباء دون حسيب ودون رقيب. ففي هذه الحال خسأت الأنظمة البديلة كلها.

كل ما في الأمر نهاية” يمكن إختصاره بأن الأنظمة كالكائنات الحية، فهي تولد، وتنمو، وتتغير، وتعتل. وفي حال لم يكن القيم على النظام العليل قادر على شفائه، فإن النظام البديل أو المتوازي يصبح شرا” لا بد منه. ولكن حتى في هذه الحال يجب على النظام المتوازي أن يكون مبادة إبتكارية حسنة النية، فعالة، تنافسية، خاضعة لـ وبرعاية القانون. والأهم هو أن تكون مرتبطة برؤية زمنية محددة توضح متى سيحل النظام البديل كليا” مكان النظام العليل، أو سيتعافى النظام العليل ويعود الى توفير سبب لوجوده.

من وحي المناسبة

لعل أكثر ما يطالع اللبنانيين في هذه اللحظة من التاريخ السياسي هو موضوع النموذج التشغيلي للسياسة اللبنانية على ضوء إنتخاب ميشال عون رئيساً عتيداً للجمهورية. ولا يخفى على أحد من المتابعين أهمية عدم تجاهل الظروف والمتغيرات التي أدت الى هذا التطور، وخاصة منها الخارجية وما لف لفها حتى لا نخصص ولا نعمم. فكما أظهر الكثير من اللبنانيين ارتياح نسبياً لانتخاب الرئيس عون، يبقى جزءاً لا يستهان منهم متوجساً من تبعات هذا الانتخاب على أوتار اللعبة الداخلية اللبنانية ونغمتها المتوازنة حتى اليوم، ولو شكلياً.
وعلى خلفية هذه الحالة من الترقب الممزوج ببعض من عسل وبعض من حصرم، تطل علينا المرحلة الثانية من إعادة إطلاق الحياة السياسية في لبنان ألا وهي عملية تشكيل الحكومة وترتيب مقاعدها بشكل يعكس، ولو ظاهرياً، توازن القوى ويتجاوب الى حد ما مع آمال الشعب اللبناني بحصوله على سلطة تنفيذية مؤهلة للأداء، قادرة على التنفيذ، ومتحفزة للتحسين والتطوير.
ولكن في ظل كل هذه الضوضاء، لا يمكن للمرء تجاهل بعض الحِكَم التي أرساها أحد أهم العلماء للتاريخ، وهي دروس لا بد أن نحترمها وإن كنا أردنا أن لا نتعظ منها. فقد عرف أينشتاين “الجنون” بأنه تكرار التجربة ذاتها مرة بعد مرة وتوقع نتيجة مختلفة في كل مرة. كذلك أَسَرَ الرجل ذاته أنه لا يمكننا حل مشاكلنا باستخدام الذهنية ذاتها التي استخدمناها عندما صنعنا هذه المشاكل بالأصل.
بناء عليه تساورنا فكرة شكل الهيكل التنظيمي الحالي للسلطة التنفيذية في لبنان، وكيفية توزيع الأدوار والمسؤوليات فيه على الوزارات. فكم من الوقت قد مضى على تصميم هذا الهيكل؟ وهل أثبتت التجربة أن توزيع الوزارات واختصاصاتها بالشكل الحالي أدى الى نتائج وأداء فعال؟ ألم تتطور أساليب إدارة الحكومات وتوزيع الوزارات خلال العقود الماضية؟ وعليه، هل حدث أي موائمة لأدوار ومسؤوليات وزاراتنا مع أفضل الممارسات العالمية؟ هل يمكن اعتبار أن اختصاصات وزاراتنا هي اختصاصات شاملة؟ هل يمكن لوزاراتنا باختصاصاتها الحالية أن تقدم كافة الخدمات التي يتوقعها المواطن الحديث الذي يغرق يوماً بعد يوم في عالم مربك ومرتبك يمزج الواقع باللاواقع والحقيقة بالخيال؟
أسئلة كثيرة تجول ببالنا هذه الأيام، ولعل أقساها هي عندما نسأل ذاتنا: هل تعلمنا شيئاً من حكمة أينشتاين أم أننا مازلنا نكرر التجربة ذاتها؟ من هنا، ومن وحي المناسبة، ومع تأكيدنا الحفاظ على الروح الإيجابية لهذ اللحظة التاريخية، وانطلاقاً من حبنا – حتى لا نقول غرامنا – للبنان، نسأل: هل حان الوقت لننظر الى الهيكل التنظيمي لسلطتنا التنفيذية من زاوية التحديث والتطوير لنتمكن من تغيير الواقع، ورفع الأداء، والدفع نحو دولة حديثة، متطورة، مبتكرة، مبدعة، قادرة على خدمة المتطلبات الحديثة لعالم حديث؟
ماذا إذا انطلقنا، و بكل موضوعية، إلى إعادة توزيع الاختصاصات في وزاراتنا – مع التأكيد على استمرار الوزارات البديهية كالدفاع، والمالية، والخارجية – وابتكرنا وزارات جديدة لدولة حديثة بالشكل التالي:
1. وزارة التخطيط ومتابعة الأداء والتي تكون مسؤولة عن وضع خطة استراتيجية وتنفيذية شاملة للوطن وتحرص على أن يكون لكل وزارة خطة عمل مبنية على رؤية موحدة مستقبلية وتعتمد على التخطيط الاستباقي وليس على العمل الانفعالي.
2. وزارة الطاقات البشرية لتعنى بذهب لبنان الحقيقي ألا وهي موارده البشرية. فقد أثبت لبنان أنه الخزان الطبيعي بامتياز لحاجات القوى العاملة في المشرق، والمغرب وما بينهما.
3. وزارة الابتكار والابداع لتهتم بكنوز الفكر اللبناني على صعيد الأعمال، والاختراع، والفن وغيرها.
4. وزارة خدمات المواطنين التي تشكل الرابط الموحد لحصول المواطن على خدماته بشكل دقيق، وسهل، ومحترم، وفعال لناحية النوعية والوقت.
5. وزارة الصحة والسعادة وهي الوزارة التي من دون شك تهتم بالتخطيط والعمل الاستباقي لبناء مجتمع سليم بجسمه وبعقله وبنفسه وليس العمل الانفعالي الذي يعالج السبب وليس المسبب.
6. وزارة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتهتم مباشرة بتوفير خدمات الاتصال والتكنولوجيا بين لبنان والعالم بشكل يضمن مواكبة الوطن لهذه البنية التحتية والتي ستكون محور العمل والتطور والتنمية للأجيال القادمة.
7. وزارة التنمية الاقتصادية (زراعة، صناعة، تجارة) حيث تكمن أهمية هذه الوزارة في توفير نموذج متكامل للاقتصاد الوطني يشمل الدورة الانتاجية كلها بداية بالزراعة والصناعة وانتهاءً بالتصريف.
8. وزارة العدل والاصلاح والتي لا تعنى فقط بإرساء العدالة بين المواطنين، وإنما تسعى الى إصلاح الفرد المرتكب (حيث أمكن) حتى لا يكون هدفنا الحكم بدون توفير وسيلة للمساعدة أو لمعالجة السبب.
9. وزارة التطوير الوطني وهي المسؤولة عن تنفيذ رؤية الدولة حول تصميم وبناء لبنان الحديث لناحية البنية التحتية (طرقات، المياه، مجاري، الكهرباء، حدائق عامة)، والتنظيم المدني، وغيرها.
10. وزارة التنمية المستدامة التي تهتم بإيجاد طرق مبتكرة لتطوير الأعمال والتنمية الريفية في كافة المناطق وتتعاون مع كافة الوزارات المعنية لضمان توفر التطوير في كافة المناطق.
11. وزارة التربية الوطنية والمدنية هي الوزارة التي تعنى بإعادة بناء فكرة الوطن في ذهن المجتمع بكافة أطيافه، والأهم هو أن هذه الوزارة تكون مسؤولة عن بناء وتعزيز واستدامة المواطنة لدى كافة الأجيال وخاصة الصغيرة، مع العمل على ترميم فكرة المواطنة لدى الفئات العمرية الكبيرة.
12. وزارة العائلة وهي من أهم الوزارات التي تعتني بصحة المجتمع لناحية المحافظة على روحية العائلة ومساعدة الأهل في تحسين تربيتهم لأولادهم خاصة في ظل نمط عيش غير صحي ومتسارع، فالوطن القوي يكون بالعائلة القوية.
13. وزارة العلم والمعرفة والتي جل ما تحرص عليه هو رفع نوعية التعليم في لبنان للمحافظة عليه كمركز العلم والمعرفة في منطقتنا الممزقة بين الهوية، والدين، و”البشرية” الحديثة.
14. وزارة التواصل والتعريف وتكون مسؤولة عن تنظيم الشؤون السياحية في الداخل والعمل على تعريف العالم على لبنان بصورته الحقيقية وفتح المجال للعمل على التبادل التجاري وتسويق الأعمال اللبنانية في الخارج وغيرها.
15. وزارة الخدمات الحكومية وهي الوزارة التي تعنى بتقديم الخدمات المشتركة لكافة قطاعات الدولة بهدف تحسين التخطيط، ورفع الفعالية، وتفعيل الكلفة، وتحسين الخدمة بين وحدات الدولة.
وتكمن أهمية طرح هذه الوزارات في أنها تحول مقاربة السلطة التنفيذية من تقنية متخصصة بشكل محض الى حياتية محورية هادفة. فبدل الوزارات التخصصية الجامدة (وزارة العمل، وزارة الطاقة، وزارة الأشغال) نرى أن الوزارات المطروحة هي وزارات مبنية على فعل تحسيني وتطويري (وزارة التنمية الاقتصادية، وزارة التربية الوطنية والمدنية، وزارة الصحة والسعادة، وزارة العائلة، وزارة التخطيط ومتابعة الأداء، الخ.)
لعل ما نطرحه يبدو بعيداً بعض الشيء في إطار وضعنا الراهن، وانما هذا لا يبرر تفادي النظر أو البحث فيه وفي طروحات مماثلة يمكن أن تكون بوابة عبور الى دولة لبنان الجديدة والحديثة. فالوصول الى رؤية محددة يتطلب بدايةً رسم هذه الرؤية، وهذا أمر يحتاج الى التخطيط والتحضير قبل وقت مهم من حدوثه. فإذا لم تكن هذه الحكومة، كانت الحكومة اللاحقة، أو حتى التي تليها. وإن لم تكن خمس عشر وزارة جديدة، فلتكن وزارتان أو ثلاثة بداية، وعندها فلنترك التجربة الجديدة تحكم. وعسى أن يوفق الله لبنان ويهدينا الى صراط وطني مستقيم.

One

There is nothing like a good written report, especially one that has passed on to an editor who will have the ability to make any

If you’re a

Writing custom research papers

You will have the ability to boost your understanding of any topic by being able to write basic information relating

The ideal approach to understand how to

While browsing for quotations, citations from newspapers, magazines, sites, encyclopedias and books are highly recommended since

The features are quite similar to those of the

An

Whether you need a pupil’s essay corrected before it goes to an editor or need someone to proofread and edit your essay, the world wide web has made it very easy

Some folks may tell you that you ought to already understand what you will say when you sit down to write, however, the simple truth is that you

Reading other’s functions will allow the author to learn more about the subject and to know what other individuals have

Once the writer has a better idea of what sort of writing will make him the greatest sales, it’s time to

College essay writing

They should however

As

This is one of the most popular items for a composition

You could also utilize

After some hours of the time, your final

The term paper is an essay of approximately 100 words or less that should be submitted into a selected university

Such sites generally supply you with a link to a

Obviously, there are different factors to consider when

An instance of the type of essay can be written on your dog

On

To acquire a large client base, you have to come up with

Therefore, it’s imperative they have excellent writing skills in presenting the

Should you end up copying someone’s argument, then you need to consider having them edit your personal

Hire a professional research paper writers for your academic

In fact, it is an research paper writing service established fact that people usually do better on weekdays than they do on every day of this week.

works.

work.

information they researched.

a website that features your finest essays.

the other hand, when you hire term paper preparation solutions, they will look after the newspaper works for you, which makes the task much easier and faster.

purchasing groceries.

buying in these companies.

payment website.

or college for evaluation.

item will be returned to you.

a writing service to enhance your writing skills.

author to write, as it’s a highly common subject for the autobiography.

they are aware of various terminologies used in academic papers, they are able to use suitable terminologies in the ideal context in the article.

be certain that the way they adopt is easy for them to understand and utilize.

has become very popular nowadays, as there are so many diverse types of colleges offering online courses.

set up the outline of the article.

previously written about.

still need to get a list of concerns you would like to talk about, so you may put them in the right order for the article.

to come across an essay editing service.

assignment manual is virtually always an expensive investment, because nearly all of them come with extensive material.

tv show”MySpace.

they’re most likely to be current.

hire a ghost writer is to get in touch with one and ask for samples of their writing solutions.

to it.

is not a simple task to do.

genuine writer and do not mind spending a bit extra money for an article, then the College Essay Writing Service is ideal for you!Save Time, Money & Mature Skin: Most school essay authors are older using their own families and might be too busy to look after their mission.

necessary changes or improvements before it goes to print.

way that it is possible to make use of essays available online is to just develop a powerful argument.

10 Reflections on Civilized Societies – My trip to Lisbon

When my Very dear friend Raed Charafeddine accomplished his quest to climb Mount Kilimanjaro, he came back to us with something much more than what we expect that courageous individuals like him will bring. He came back not only with a story, but also with ten mindful and deep lessons that only wise people would be able to deduce from a journey that apparently seems a very difficult hike of a pro-caliber.

I was lucky this week to visit Lisbon to attend an International Conference on Human Resources Development. Lisbon is a nice city, civilized and calm, urban and young, though in a reserved manner. As I was walking with my friend professor Khalil Dirani in the old town of Lisbon, it occurred to me that it would be nice to reflect on my observation of Lisbon and deduce some points that seemed to be worth reflecting, regarding the characteristics of Civilization.

I wouldn’t dare to compare what I merely observed to what my fried Raed went through, but it is by all means a call to look beyond the obvious, and try to intentionally learn from every experience.

The first thing that struck me in Lisbon is the unanimous national workforce. Living in Lebanon and traveling to the GCC most of the time, I forgot how it is to have nationals happily serving you at all levels of the hierarchy. I mean from the pilot, to the hotel receptionist, to the taxi driver, to the waiter, to the janitor, and the kind people who keep the restrooms clean; all and I mean all were Portuguese. Touched by a feel of sadness and another of aspiration for our nation that had become so good at assigning varying values to the dignity of jobs, whereas dignity is a constant no matter what the job is.

The second observation that I experienced from the moment I stepped into Lisbon’s Airport, is the elegant balance of visual stimulation. When my dear Argentinian friend Dr. Javier Bajer first visited Lebanon in 2010, he told me that he was shocked at the level of visual stimulus in Lebanon, otherwise known as Advertising pollution. At the time I couldn’t easily associate with his comment nor was I able to grasp the concept of visual pollution.

Yet, interesting enough, I felt this reverse shock in Lisbon, when I saw the humble and balanced level of visual stimulus in this city, and how relaxing it is to feel that not every large, medium, and small shop in the farthest corner of the country is trying to sell you something. Another sad moment about how much consumerism has overtaken our communication, and the extent to which it hijacked our enjoyment of a smart elegant Ad.

What took me a couple of days to grasp is my third observation. You know when you’re used to the noise of the train passing by your home, and then one day when it doesn’t pass, you wake up in the middle of the night feeling there’s something missing. Well this is exactly what I experienced in my third observation. No exaggeration of emotions, or over-expressive welcomes, or an amplified fake sense of glorification for guests of the country (me being the guest).

Does that ring a bell? For me it does. Don’t a lot of us feel that in as much as emotional expressions and glorification dominate our language, they seem overly amplified and less genuine and true?

The fourth observation I noticed in Lisbon, is the extent of respect for the national language. I’m not a promotor of isolation, but one cannot but appreciate how everything in Portugal is in Portuguese. Now hotels were the only exception, but even the University I was visiting had all its signs in Portuguese. We have one of the most beautiful, elegant, diversified, sophisticated, expressive, musical, emotions-friendly language in the world, but what have we brought it down to “kifak 7abibi inshallah mni7?”… That makes me sad too.

As I spent my few days there, i was able to make my fifth observation, namely “No examining”. It is a bit more than ‘everyone is minding his own business’, a kind of an elegant version of it, topped with noticeable respect. With a clearly dominant young population, from what I saw, one would expect that some kind of examining would happen between people. A young man examining a fair lady, or a fair lady examining the purse of another fair lady, yet I barely saw anyone doing so. Unfortunately, if you take an informal experiment in our country and watch how people stare at each other in restaurants and shopping malls, you would know what I’m talking about.

The sixth observation that I noticed is the good grip of naturalism with a twist of urbanism. No exaggerated outfits, significantly decent dresses for ladies, and sober outfits for men. No awkward hair styles, most ladies had a natural hair color and accessories were light and to the minimum. Now I know that we are a Fashion and life-loving nation; embrace trends and even bring them one step further, but why the exaggeration? Why the self-worth of our youth is is becoming more and more linked to what they wear, how they look, and where they go. Why the dress that we wear became the value, and the person who’s wearing it became the mannequin? Something worth reflecting on as well.

It is wonderfully clean. That was my seventh observation. The sense of cleanliness that you experience led me to think that there is a psychological cost for dirtiness. Unclean and untidy places are not attractive. We experience the world through our multiple senses simultaneously. It is not only what we see that matters, but also what we smell, hear, touch and taste all at the moment we are seeing the thing. This is what defines our experience. I wouldn’t be surprised if we all feel so tired sometimes for no obvious reasons, but come to think of it, cleanliness – or its absence – could be one reason. Don’t get me wrong, I’m still Charles the positive influencer, but change can only start by becoming aware and accepting that you can be better, then we can talk about change.

The eighth observation was quite interesting. Well I am fond of cars, and I especially admire large engines and their proud sound ( mind you that I’m not talking about race cars and their roaring engines, rather 6 or 8 cylinder engines). Well, those of you who are frequently visiting Europe might know about it, but for those who are not as familiar, for three consecutive days I didn’t hear a single big engine sound, not even one.
Almost all cars have four cylinder engines, and the majority of those run on diesel. Now this was really intriguing to understand. Is it a gas issue, a cost issue, a tax issue, I wouldn’t know exactly, but those people love four cylinders.

Now although the small engine market has been steadily growing for the past few years in Lebanon, large engines continue to be a major attraction for quite a significant number people in our nation.

The ninth observation is the absence of any explicit military presence, and except for few policemen I spotted inside the Airport, I didn’t see any.

Of course it’s normal to see this in a developed county, yet my observation is actually about how much has our mindset become familiar with military presence all around us, that if it is not there we’d become anxious. Normal behavior suggests the opposite though. Imagine how you would feel if you are in Paris and on your way you pass through two checkpoints within five kilometers. We do not feel at ease with it outside our country, but when we pass tens of check points in Lebanon, everything feels normal and under control. Strange right?

My tenth and last observation is absence of a tacit sense of negativity in Lisbon. Walking around in the conference premises, at the hotel, and on the streets of the city, I was feeling something I’m not used to in Lebanon. I use ‘feeling’ because this is what it was. I felt the total absence of negative vibes. You know that feel we live with every day in Lebanon, the feel that wherever you look, you’re faced with latent negative waves springing from the faces of people, or from the radio speakers and TV screens; this silent poison that you experience internally without being able to point a finger at. All those visual ques that enter directly into your mind and soul, and act like a heavy block of concrete on your chest, all those are non-existent out there.

Bottom line, there are many tangible aspects that define civilization. Technology, Laws, Cleanliness, Order, and Respectful manners are but few. Yet, if we really think of it a bit deeper, we’ll notice that civilization is a sense, a feeling that a certain place have the power to give to you. Civilization is a common conscience that people voluntarily subscribe to; not by virtue of law and obligation, not by virtue of fear, but by virtue of the common good and abundance that a clear sense of civilization can bring to the heart and mind of a human being.

I sincerely yearn that each one of us takes a little initiative to support civilization in our country. The least is to stop sharing negative news in a frenzy manner every time we receive it from social media (no body likes negative scoops, and people will start associating you with bad news), and concentrate on being messengers of good news and positivity instead. It will be hard in the beginning, but then it will turn into a roaring positive lifestyle.