Articles

١٠ حلول كي لا نكون “عم نعبي المي بالسلة”!

لاشك أن هناك جهوداً كبيرة تبذل من قبل معظم الأفرقاء في لبنان بهدف إنقاذ البلد. وبالرغم من أن هناك تجاذبات في عملية مناقشة واعتماد الموازنة، لأن كل فريق لديه حساباته، لكنه يبدو أن النية على الأقل موجودة لمحاولة معالجة الوضع الذي نتخبط فيه، خاصةً من الناحية الإقتصادية. وتبقى أصوات النشاز والسوداوية تعزف على ربابة التشكيك والسلبية والإشاعات وتخويف العالم، إما لجهل بأن هذا الأمر يزيد الوضع سوءاً، وإما لغايةٍ في نفس يعقوب؛ الله أعلم. فبدل أن يشمر جهابذة الإنتقاد والسخرية عن سواعدهم ومحاولة المشاركة في إعطاء الحلول العملية (حتى ولو لم يسمع لهم أحد)، أو على الأقل تبريد الأجواء رحمة بمواطنين أصبحوا إما متقوقعين في زوايا بيوتهم خوفاً من الآتي، أو باحثين عن فرصةٍ للهجرة، أو مخدرين يتصرفون وكأن الأمور في قمة الروعة، أو غاضبين يبغون التغيير بأي ثمن، فإنهم يصبون على النار زيتاً ويؤججوا الأجواء لهباً.

ربما تاريخ إدارة الأزمات المالية والإقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان هو تاريخ غير مشجع، وربما ترقى بعض الحالات منه إلى مستوى “الغير مُشَرِف”. وربما، كما قال لي أحد الأصدقاء، أننا نتأهل لنكون في رتبة الدول الفاشلة بحسب توصيف نعوم تشومسكي في كتابه الذي يحمل التسمية ذاتها “Failed States”. ولكن ما لا يعرفه أحد حول الأزمات في لبنان، وما لا يعرفه السيد تشومسكي، هو أنه هناك فرق بين الفشل والتفشيل. لقد كان دائماً في لبنان عظماء بالفكر والقلب والوطنية يعملون على بناء لبنان النموذج، وبالمقابل كان هناك دائماً صغار النفوس المستعدين لفعل أي شيء للحصول على السلطة والمال في إطار تفكيرٍ ضيق لا يتعدى إطار تفكير رجال الشوارع الذين يحاولون أن يسيطروا على منطقة من هنا أو على زقاق من هناك. وبين هذين الفريقين كان هناك دائماً صراع الأمم الذي لا يسأل بأحد. لا من أي فريق أو أي دين أو أي إيديولوجية أو أي معسكر؛ يسأل فقط كيف يمكن أن يَخلُق الواقع الذي يخدم مصلحته! بمعنى آخر، ما طغى على الوضع في لبنان في معظم الأوقات هو التفشيل وليس الفشل، وقد نجح من نجح بذلك لكوننا مضيافين و منفتحين ومتبنين بتشبث لألم وفكر وطروحات وإيحاءات الآخرين.

لكن الموضوع اليوم لم يعد موضوع تبني لفكر أو إيحاءات؛ لقد وصلت الموس إلى الذقن ولا بد أن نعمل شيئاً لإبعادها. وحتى لا نكون – لا سمح الله – من فرقة العزف على الربابة بينما البيت يحترق، لا بد أن نقدم الحلول. هذه الحلول التي نطرحها، وإن كانت في ظاهرها بسيطة (كفكرة أخوت شانيه بالنسبة لجر المياه) ولا تنطلق من مقاربة فكرية إقتصادية، لكنها تتوجه مباشرةً إلى بعض بيوت الداء الأساسية لمعالجتها بشكل جذري. ونعرض هنا لعشرة حلول، والتي على بساطتها، فإنها تسمي الأشياء بأسمائها، وهذه الحلول هي:

  1. تجميع المؤسسات العامة والإدارات التي تشغل أبنية مستأجرة بمئات ملايين الليرات، وهي فارغة إلا من حفنة من الموظفين، وحصرها في عدد محدد من المباني.
  2. إلغاء الصناديق والمجالس التي تقوم بعمل مزدوج مع الكثير من الوزارات، ونقل مهامهم وموظفيهم – حيث يلزم – إلى الوزارات المختصة.
  3. استحصال الدولة على أسهم في كافة الأملاك البحرية والكسارات والمرامل القانونية – ممكن بحسب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP – كون الدولة هي التي تملك الأراضي (طبعاً حيث ينطبق)، ولها الحق بأسهمٍ فيها. وهذا الأمر لا علاقة له باستمرار مشاريع الأملاك البحرية والكسارات والمرامل في تسديد الضرائب المتوجبة عليهم للدولة.
  4. إلغاء وزارة المهجرين ونقل مهامها إلى قوة عمل خاصة Taskforce تحت سلطة وزارة العدل ووضع مهلة نهائية لإقفال قضية المهجرين.
  5. تجميد سلطة الصرف على المشاريع في البلديات آنياً، باستثناء مصاريف الصيانة والنظافة والموظفين، وإلزام كل بلدية بتقديم خطة عمل سنوية واضحة، تدرس من قبل لجنة خبراء لتأكيد الجدوى من المشاريع المقدمة، وعليه يتم اتخاذ القرار المناسب حول خطة عمل البلدية، والموافقة على ميزانيتها.
  6. إلغاء التعاقد من خارج الملاك بشكل تام مع إعطاء الأفضلية للمتعاقدين في التقدم إلى المراكز الشاغرة في الملاك حيث توجد الشواغر، ودائماً بحسب الوصف الوظيفي والمؤهلات والكفاءات المطلوبة.
  7. وضع برنامج لتشجيع التقاعد المبكر قي القطاع العام، وفتح هذا البرنامج لمدة سنة لمن يريد وبحسب معايير واضحة تحدد من من الموظفين يحق له أن يتقدم وما هي التعويضات، ومن هي الفئات التي تشجعها الدولة على التقاعد المبكر.
  8. مراجعة نظام الرواتب والمنافع في كافة قطاعات الدولة لجعله أكثر عدلاً لكل من الموظف والدولة، ويشمل هذا الموضوع مراجعة التقديمات والمنافع ومعاشات التقاعد وغيرها للموظفين المدنيين والعسكريين بشكل موضوعي بعيداً عن التجاذبات السياسية، والبدء بتطبيق هذا النظام الجديد من تاريخ محدد (مثلاً 1 كانون الثاني 2022) بحيث أن كل موظف يدخل إلى الملاك من هذا التاريخ يطبق عليه قانون الرواتب والتعويضات والمنافع الجديد.
  9. إعادة تفعيل خدمة العلم العسكرية والمدنية بحيث يستفيد الشباب من الخبرة العسكرية أو المدنية لمدة سنة بعد التخرج وتستفيد الدولة من معرفة ونشاط وحماسة شبابها، بالإضافة الى توفير الملايين من الليرات من خلال الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الشباب لصالح الجيش والإدارة العامة.
  10. تجميد كافة المساعدات للجمعيات الغير حكومية والغير باغية للربح لتمكينها من الإتكال على ذاتها في تحقيق رسالتها. فمن يبرهن منها أنه قادر على الاستمرار بجدية بعد خمس سنوات، يعاد النظر بإمكانية تقديم المساعدات له ضمن إطار محدد.

وهناك العشرات من الحلول المماثلة التي لا تحتاج إلى الكثير من التفكير للكشف عنها، ولكنها تحتاج إلى الكثير من النيات الحسنة والأكثر من الجهد الجدي لإنجازها.

لكن هذه الطروحات تبقى حلولاً بلا زبد، كما يمكن لجميع التدابير التقشفية التي يُعمل على اعتمادها في الموازنة اليوم، إذا لم نجيب على سؤال جوهري ومؤلم. هذا السؤال هو: “ماذا ستفعل الدولة بالأموال التي ستوفرها هذه الحلول العشرة؟ وماذا ستفعل الدولة بالأموال التي سيتم توفيرها من الموازنة التقشفية؟”. هذا السؤال يرتقي لأن يكون سؤالاً وجودياً. فإذا وفرنا الأموال من خلال التقشف أو من خلال تأمين واردات جديدة للدولة من ناحية، وأبقينا على ممارساتنا في الإنفاق الغير مدروس أو في صرفها على الاقتصاد الريعي بدل صرفها على الإقتصاد الإنتاجي، فإننا نكون كمن يضحك على نفسه أو كمن “يعبي المي بالسلة”.

شارل س. صليبا

8 أيار، 2019