Articles

من وحي المناسبة

لعل أكثر ما يطالع اللبنانيين في هذه اللحظة من التاريخ السياسي هو موضوع النموذج التشغيلي للسياسة اللبنانية على ضوء إنتخاب ميشال عون رئيساً عتيداً للجمهورية. ولا يخفى على أحد من المتابعين أهمية عدم تجاهل الظروف والمتغيرات التي أدت الى هذا التطور، وخاصة منها الخارجية وما لف لفها حتى لا نخصص ولا نعمم. فكما أظهر الكثير من اللبنانيين ارتياح نسبياً لانتخاب الرئيس عون، يبقى جزءاً لا يستهان منهم متوجساً من تبعات هذا الانتخاب على أوتار اللعبة الداخلية اللبنانية ونغمتها المتوازنة حتى اليوم، ولو شكلياً.
وعلى خلفية هذه الحالة من الترقب الممزوج ببعض من عسل وبعض من حصرم، تطل علينا المرحلة الثانية من إعادة إطلاق الحياة السياسية في لبنان ألا وهي عملية تشكيل الحكومة وترتيب مقاعدها بشكل يعكس، ولو ظاهرياً، توازن القوى ويتجاوب الى حد ما مع آمال الشعب اللبناني بحصوله على سلطة تنفيذية مؤهلة للأداء، قادرة على التنفيذ، ومتحفزة للتحسين والتطوير.
ولكن في ظل كل هذه الضوضاء، لا يمكن للمرء تجاهل بعض الحِكَم التي أرساها أحد أهم العلماء للتاريخ، وهي دروس لا بد أن نحترمها وإن كنا أردنا أن لا نتعظ منها. فقد عرف أينشتاين “الجنون” بأنه تكرار التجربة ذاتها مرة بعد مرة وتوقع نتيجة مختلفة في كل مرة. كذلك أَسَرَ الرجل ذاته أنه لا يمكننا حل مشاكلنا باستخدام الذهنية ذاتها التي استخدمناها عندما صنعنا هذه المشاكل بالأصل.
بناء عليه تساورنا فكرة شكل الهيكل التنظيمي الحالي للسلطة التنفيذية في لبنان، وكيفية توزيع الأدوار والمسؤوليات فيه على الوزارات. فكم من الوقت قد مضى على تصميم هذا الهيكل؟ وهل أثبتت التجربة أن توزيع الوزارات واختصاصاتها بالشكل الحالي أدى الى نتائج وأداء فعال؟ ألم تتطور أساليب إدارة الحكومات وتوزيع الوزارات خلال العقود الماضية؟ وعليه، هل حدث أي موائمة لأدوار ومسؤوليات وزاراتنا مع أفضل الممارسات العالمية؟ هل يمكن اعتبار أن اختصاصات وزاراتنا هي اختصاصات شاملة؟ هل يمكن لوزاراتنا باختصاصاتها الحالية أن تقدم كافة الخدمات التي يتوقعها المواطن الحديث الذي يغرق يوماً بعد يوم في عالم مربك ومرتبك يمزج الواقع باللاواقع والحقيقة بالخيال؟
أسئلة كثيرة تجول ببالنا هذه الأيام، ولعل أقساها هي عندما نسأل ذاتنا: هل تعلمنا شيئاً من حكمة أينشتاين أم أننا مازلنا نكرر التجربة ذاتها؟ من هنا، ومن وحي المناسبة، ومع تأكيدنا الحفاظ على الروح الإيجابية لهذ اللحظة التاريخية، وانطلاقاً من حبنا – حتى لا نقول غرامنا – للبنان، نسأل: هل حان الوقت لننظر الى الهيكل التنظيمي لسلطتنا التنفيذية من زاوية التحديث والتطوير لنتمكن من تغيير الواقع، ورفع الأداء، والدفع نحو دولة حديثة، متطورة، مبتكرة، مبدعة، قادرة على خدمة المتطلبات الحديثة لعالم حديث؟
ماذا إذا انطلقنا، و بكل موضوعية، إلى إعادة توزيع الاختصاصات في وزاراتنا – مع التأكيد على استمرار الوزارات البديهية كالدفاع، والمالية، والخارجية – وابتكرنا وزارات جديدة لدولة حديثة بالشكل التالي:
1. وزارة التخطيط ومتابعة الأداء والتي تكون مسؤولة عن وضع خطة استراتيجية وتنفيذية شاملة للوطن وتحرص على أن يكون لكل وزارة خطة عمل مبنية على رؤية موحدة مستقبلية وتعتمد على التخطيط الاستباقي وليس على العمل الانفعالي.
2. وزارة الطاقات البشرية لتعنى بذهب لبنان الحقيقي ألا وهي موارده البشرية. فقد أثبت لبنان أنه الخزان الطبيعي بامتياز لحاجات القوى العاملة في المشرق، والمغرب وما بينهما.
3. وزارة الابتكار والابداع لتهتم بكنوز الفكر اللبناني على صعيد الأعمال، والاختراع، والفن وغيرها.
4. وزارة خدمات المواطنين التي تشكل الرابط الموحد لحصول المواطن على خدماته بشكل دقيق، وسهل، ومحترم، وفعال لناحية النوعية والوقت.
5. وزارة الصحة والسعادة وهي الوزارة التي من دون شك تهتم بالتخطيط والعمل الاستباقي لبناء مجتمع سليم بجسمه وبعقله وبنفسه وليس العمل الانفعالي الذي يعالج السبب وليس المسبب.
6. وزارة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتهتم مباشرة بتوفير خدمات الاتصال والتكنولوجيا بين لبنان والعالم بشكل يضمن مواكبة الوطن لهذه البنية التحتية والتي ستكون محور العمل والتطور والتنمية للأجيال القادمة.
7. وزارة التنمية الاقتصادية (زراعة، صناعة، تجارة) حيث تكمن أهمية هذه الوزارة في توفير نموذج متكامل للاقتصاد الوطني يشمل الدورة الانتاجية كلها بداية بالزراعة والصناعة وانتهاءً بالتصريف.
8. وزارة العدل والاصلاح والتي لا تعنى فقط بإرساء العدالة بين المواطنين، وإنما تسعى الى إصلاح الفرد المرتكب (حيث أمكن) حتى لا يكون هدفنا الحكم بدون توفير وسيلة للمساعدة أو لمعالجة السبب.
9. وزارة التطوير الوطني وهي المسؤولة عن تنفيذ رؤية الدولة حول تصميم وبناء لبنان الحديث لناحية البنية التحتية (طرقات، المياه، مجاري، الكهرباء، حدائق عامة)، والتنظيم المدني، وغيرها.
10. وزارة التنمية المستدامة التي تهتم بإيجاد طرق مبتكرة لتطوير الأعمال والتنمية الريفية في كافة المناطق وتتعاون مع كافة الوزارات المعنية لضمان توفر التطوير في كافة المناطق.
11. وزارة التربية الوطنية والمدنية هي الوزارة التي تعنى بإعادة بناء فكرة الوطن في ذهن المجتمع بكافة أطيافه، والأهم هو أن هذه الوزارة تكون مسؤولة عن بناء وتعزيز واستدامة المواطنة لدى كافة الأجيال وخاصة الصغيرة، مع العمل على ترميم فكرة المواطنة لدى الفئات العمرية الكبيرة.
12. وزارة العائلة وهي من أهم الوزارات التي تعتني بصحة المجتمع لناحية المحافظة على روحية العائلة ومساعدة الأهل في تحسين تربيتهم لأولادهم خاصة في ظل نمط عيش غير صحي ومتسارع، فالوطن القوي يكون بالعائلة القوية.
13. وزارة العلم والمعرفة والتي جل ما تحرص عليه هو رفع نوعية التعليم في لبنان للمحافظة عليه كمركز العلم والمعرفة في منطقتنا الممزقة بين الهوية، والدين، و”البشرية” الحديثة.
14. وزارة التواصل والتعريف وتكون مسؤولة عن تنظيم الشؤون السياحية في الداخل والعمل على تعريف العالم على لبنان بصورته الحقيقية وفتح المجال للعمل على التبادل التجاري وتسويق الأعمال اللبنانية في الخارج وغيرها.
15. وزارة الخدمات الحكومية وهي الوزارة التي تعنى بتقديم الخدمات المشتركة لكافة قطاعات الدولة بهدف تحسين التخطيط، ورفع الفعالية، وتفعيل الكلفة، وتحسين الخدمة بين وحدات الدولة.
وتكمن أهمية طرح هذه الوزارات في أنها تحول مقاربة السلطة التنفيذية من تقنية متخصصة بشكل محض الى حياتية محورية هادفة. فبدل الوزارات التخصصية الجامدة (وزارة العمل، وزارة الطاقة، وزارة الأشغال) نرى أن الوزارات المطروحة هي وزارات مبنية على فعل تحسيني وتطويري (وزارة التنمية الاقتصادية، وزارة التربية الوطنية والمدنية، وزارة الصحة والسعادة، وزارة العائلة، وزارة التخطيط ومتابعة الأداء، الخ.)
لعل ما نطرحه يبدو بعيداً بعض الشيء في إطار وضعنا الراهن، وانما هذا لا يبرر تفادي النظر أو البحث فيه وفي طروحات مماثلة يمكن أن تكون بوابة عبور الى دولة لبنان الجديدة والحديثة. فالوصول الى رؤية محددة يتطلب بدايةً رسم هذه الرؤية، وهذا أمر يحتاج الى التخطيط والتحضير قبل وقت مهم من حدوثه. فإذا لم تكن هذه الحكومة، كانت الحكومة اللاحقة، أو حتى التي تليها. وإن لم تكن خمس عشر وزارة جديدة، فلتكن وزارتان أو ثلاثة بداية، وعندها فلنترك التجربة الجديدة تحكم. وعسى أن يوفق الله لبنان ويهدينا الى صراط وطني مستقيم.